الثاء والنون والياء أصلٌ واحد، وهو تكرير الشّيء مرّتين، أو جعلُه شيئين متوالييَن أو متباينين، وذلك قولك ثَنَيْت الشّيءَ ثَنْياً.
والاثنان في العدد معروفان.
والثِّنَى والثنْيانُ الذي يكون بعد السّيِّد، كأنّه ثانِيهِ. قال:
يروى: "ثُنْيانُنا إن أتاهُمْ كانَ بَدْأَهُم".
والثِّنَى: الأمْرُ يعادُ مرّتين. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لاثِنَى في الصَّدَقَة" يعني لا تُؤخذ في السّنَة مرَّتين".
وقال معن:
وقال النّمر بن تَولَب:
ويقال امرأةٌ ثِنْيٌ ولدت اثنين، ولا يقال ثِلْثٌ ولا . . . أكمل المادة فَوقَ ذلك.
والثِّنَاية: حبلٌ من شَعَرٍ أو صوف.
ويحتملُ أنّه سمّي بذلك لأنّه يُثْنَى أو يُمكن أن يُثْنَى. قال:والثُّنْيَا من الجَزُور: الرأسُ أو غيرُه إذا استثناه صاحبُه.ومعنى الاستثناء من قياس الباب، وذلك* أنّ ذكره يثنَّى مرّةً في الجملة ومرّةً في التفصيل؛ لأنّك إذا قلت: خَرَجَ الناسُ، ففي الناس زيدٌ وعمروٌ، فإذا قلتَ: إلا زيداً، فقد ذكرتَ به زيداً مرةً أخرى ذكراً ظاهراً.
ولذلك قال بعضُ النحويِّين: إنّه خرج مما دخل فيه، فعمل فيه ما عمل عشرون في الدِّرْهم.
وهذا كلامٌ صحيحٌ مستقيم.والمِثْناةُ: طَرَف الزِّمام في الخِشاش، كأنّه ثاني الزّمام.
والمَثْناة: ما قُرِئ من الكتاب وكرِّر. قال الله تعالى: ولَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ المَثَانِي [الحجر 87] أراد أنّ قراءَتها تثَنَّى وتُكَرَّرُ.
الخاء واللام والفاء أصولٌ ثلاثة: أحدُها أن يجيءَ شيءٌ بعدَ شيءٍ يقومُ مقامَه، والثاني خِلاف قُدَّام، والثالث التغيُّر.فالأوّل الخَلَف.
والخَلَف: ما جاء بعدُ.
ويقولون: هو خَلَفُ صِدْقٍ من أبيه.
وخَلَف سَوْءٍ من أبيه. فإذا لم يذكُروا صِدقاً ولا سَوْءاً قالوا للجيِّد خَلَف وللرديِّ خَلْف. قال الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [الأعراف 169، مريم 59].
والخِلِّيفَى: الخِلافة، وإنَّما سُميِّت خلافةً لأنَّ الثَّاني يَجيءُ بَعد الأوّلِ قائماً مقامَه.
وتقول: قعدتُ خِلافَ فُلانٍ، أي بَعْده.
والخوالفُ في قوله تعالى:رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ [التوبة 87، 93] هنَّ النِّساء، لأنَّ الرِّجال يغِيبُون في حُروبهم ومغاوراتِهِمْ وتجاراتِهم وهنّ يخلُفْنهم في البيوت والمنازل.
ولذلك يقال: الحيُّ خُلُوفٌ، إذا كان . . . أكمل المادة الرِّجال غُيَّباً والنِّساء مُقيماتٍ.
ويقولون في الدعاء: "خَلَف اللهُ عليك" أي كانَ الله تعالى الخليفة عليك لمن فَقَدْتَ مِن أبٍ أو حميم.
و"أَخْلَف الله لك" أي عوَّضك من الشيء الذاهب ما يكُونُ يقومُ بَعده ويخلُفه.
والخِلْفة: نبتٌ ينبت بعد الهشيم.
وخِلْفَةُ الشجرِ: ثمرٌ يخرُج بَعد الثَّمر. قال:
وقال زهيرٌ فيما يصحّح جميعَ ما ذكرناه:
يقول: إذا مرَّتْ هذه خَلفَتْها هذه.ومن الباب الخَلْف، وهو الاستِقاء، لأنَّ المستقِيَينِ يتخالفانِ، هذا بَعْدَ ذا، وذاك بعد هذا. قال في الخَلْف:
يقال: أخْلَفَ، إذا استَقَى.والأصل الآخر خَلْفٌ، وهو غير قَدّام. يقال: هذا خلفي، وهذا قدّامي.
وهذا مشهورٌ.
وقال لبيد:
ومن الباب الخِلْف، الواحد من أخلاف الضَّرع.
وسمِّي بذلك لأنّه يكون خَلْفَ ما بعده.وأمّا الثالث *فقولهم خَلَف فُوه، إذا تغيَّرَ، وأخْلَفَ.
وهو قولُه صلى الله عليه وآله وسلم: "لَخُلُوفُ فم الصائم أطيَبُ عند الله من ريح المِسْك".
ومنه قول ابن أحمر:
ومنه الخِلاف في الوَعْد.
وخَلَفَ الرَّجُلُ عن خُلق أبيه: تغيَّر.
ويقال الخليف: الثَّوب يَبلَى وسطُه فيُخرَج البالي منه ثم يُلْفَق، فيقال خَلَفْتُ الثَّوبَ أخْلُفُه.
وهذا قياسٌ في هذا وفي البابِ الأوّل.ويقال وعَدَني فأخلفْتُه، أي وجدته قد أخلفَني. قال الأعشى:
فأمّا قولُه:فمن أنَّ هذِي تخلُف هَذِي.
وأمّا قولهم: اختلفَ النَّاسُ في كذا، والناس خلْفَةٌ أي مختلِفون، فمن الباب الأوّل؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يُنَحِّي قولَ صاحبه، ويُقيم نفسَه مُقام الذي نَحّاه.
وأمّا قولهم للناقة الحامل خَلِفَةٌ فيجوز أن يكون شاذّاً عن الأصل، ويجوز أن يُلْطَف له فيقالَ إنّها تأتي بولدٍ، والولدُ خَلَفٌ.
وهو بعيد.
وجمع الخَلِفة المخَاض، وهُنَّ الحوامل.ومن الشاذِّ عن الأصول الثلاثة: الخَلِيفُ، وهو الطّريقُ بين الجبلَين. فأمّا الخالفة من عَُمَُد البيت، فلعلَّه أن يكون في مؤخّر البيت، فهو من باب الخَلْف والقُدّام.
ولذلك يقولون: فلانٌ خالِفَةُ أهلِ بيته، إذا كان غير مقدَّمٍ فيهم.ومن باب التغيُّر والفسادِ البَعيرُ الأخلَفُ، وهو الذي يمشِي في شِقٍّ، من داءٍ يعتريه.