الكاف واللام والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على إيلاعٍ بالشيء وتعلُّقٍ به. من ذلك الكَلَف، تقول: قد كَلِف بالأمر يَكْلَفُ كَلَفاً.
ويقولون: "لا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفاً، ولا بُغْضُكَ تَلَفاً".
والكُلْفة: ما يُتَكلَّفُ من نائبةٍ أو حقٍّ.
والمتكلِّف: العِرِّيض لما لا يَعنيه. قال الله سبحانه: قُلْ لا أسْأَلُكُمْ علَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ [ص 86].
ومن الباب الكَلَف: شيءٌ يعلو الوجهَ فيغيِّر بشرتَه.
الراء والحاء والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الرّقّة والعطف والرأفة. يقال من ذلك رَحِمَه يَرْحَمُه، إذا رَقَّ لـه وتعطَّفَ عليه.
والرُّحُْم والمَرْحَمَة والرَّحَْمة بمعنىً.
والرَّحِم: عَلاقة القرابة، ثم سمِّيت رَحِمُ الأنثى رَحِماً من هذا، لأنّ منها ما يكون ما يُرْحَمُ وَيُرَقّ لـه مِن ولد.
ويقال شاةٌ رَحُومٌ، إذا اشتكَتْ رحِمَها بعد النِّتاج؛ وقد رَحُمَتْ رَحَامَة، ورُحِمَت رَحْما.
وقال الأصمعيّ: كان أبو عمرو بن العلاء يُنشد بيتَ زُهير:
قال: ولم أسمَعْ هذا الحرفَ إلاّ في هذا البيت.
وكان يقرأ: وَأَقْرَبَ رُحُماً [الكهف 81]، وكأن أبا عمروٍ ذهب إلى أنّ الرُّحُمَ الرَّحْمة.
ويقال إنّ مكّة كانت تسمَّى . . . أكمل المادة أمَّ رُِحْم.
الخاء والسين والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على غموض وغُؤور، وإليه يرجعُ فُروع الباب. فالخَسْف والخَسَف. غموضُ ظاهرِ الأرض. قال الله تعالى: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص 81].ومن الباب خُسوفُ القَمَر.
وكان بعضُ أهل اللُّغة يقول: الخُسوف للقمر، والكُسوف للشمس.
ويقال بئرٌ خَسِيفٌ، إذا كُسِرَ جِيلُها فانهارَولم يُنتَزَحْ ماؤُها. قال:وانخسفَت العينُ: عمِيَتْ.
والمهزول يسمَّى خاسفاً؛ كأنّ لحمَه غارَ ودخَل.
ومنه: بات على الخَسْفِ، إذا باتَ جائعاً، كأنّه غاب عنه ما أرادَه مِن طعام.
وَرضِيَ بالخَسْفِ، أي الدنِيّة.
ويقال: وقَع النّاسُ في أخاسِيفَ من الأرض، وهي اللّينة تكاد تَغْمُِضُ لِلينها.وممّا حُمِل على الباب قولُهم للسحاب الذي [يأتي] بالماء الكثير خَسِيفٌ، كأنَّه شُبِّه بالبئر التي ذكرناها.
وكذلك . . . أكمل المادة قولهم ناقة خَسِيفة، أي غزيرة. فأمّا قولهم إنّ الخَسْفَ الجَوزُ المأكول* فما أدري ما هُو.
الباء والثاء أصلٌ واحد، وهو تفريق الشيء وإظهاره؛ يقال بثُّوا الخيلَ في الغارة.
وبثّ الصيّاد كلابَه على الصّيد. قال النابغة:
والله تعالى خَلقَ الخلْقَ وبثَّهمْ في الأرض لمعاشهم.
وإذا بُسِط المتاعُ بنَواحِي البيت والدّار فهو مَبثُوث.
وفي القرآن: وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية 16] أي كثيرة متفرّقة. قال ابن الأعرابيّ: تَمْرٌ بَثٌّ، أي متفرِّق لم يجمعه كَنْزٌ. قال: وبثَثْتُ الطَّعامَ والتمرَ إذا قَلّبْتهُ* وألقيتَ بعضَه على بعض، وبثثْتُ الحديثَ أي نشَرْتُه.
وأما البثُّ من الحزْن فمِنْ ذلك أيضاً، لأنه شيءٌ يُشتَكَى ويُبَثّ ويُظهَر. قال الله تعالى في قصّة مَن قال: إنَّما أَشْكُو بَثِّي وَحُزْني إلى . . . أكمل المادة اللهِ [يوسف 86]. قال أبو زيد: يقال أبَثَّ فلانٌ شُقُورَهُ وفُقُورَه إلى فلانٍ يُبِثّ إبثاثاً.
والإبثاث أن يشكو إليه فقره وضَيعته. قال:
وقالت امرأةٌ لزوجها: "والله لقد أطعَمْتُك مأدُومِي، وأبْثَثْتُكَ مكتُومي، باهلاً غيرَ ذاتِ صِرار".